اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمدٍ وعلى ءالِ سيِّدنا محمدٍ المُنْـزَلِ عليه لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ التوبة 128 .
هو محمدٌ الذي جعلَ اللهُ خُلُقَه القرءان، هو محمدٌ الذي يَرضى بما يرضاهُ القرءانُ ويتأدّبُ بآدابه ويتخلَّقُ بأخلاقِه ويلتزِمُ أوامرَه ولا يغضَبُ لنفسِه إلا إذا ارتُكِبَت محارمُ الله، هو محمدٌ الذي بعثَه اللهُ الرحمنُ بالإرفاقِ أي رِفقًا بهذه الأمّةِ لكي يتمّمَ مكارمَ الأخلاق، هو محمدٌ أشجعُ الناسِ أي أقواهُم قلبًا وأكثرُهم جراءةً لملاقاةِ العدوّ، هو محمدٌ الذي ما سُئل عن شىءٍ قطُّ يعني عن أيِّ حاجةٍ من متاعِ الدُّنيا يُباحُ إعطاؤها فقال لا، إلا إذا كان شيئًا لا يَجِدُهُ، هو محمدٌ الذي كانَ أصدقَ الناسِ لهجةً وأَوْفَى الناسِ ذِمّةً وأحسنَ الناس مُعاشرةً.
نَظَرُه للأرضِ منه أكثرُ إلى السماءِ خافِضٌ إذْ يَنْظُرُ.
كانَ نظرُه إلى الأرضِ أكثرَ منْ نظرِه إلى السماء، يعني نظرُه إلى الأرضِ حالَ السُّكوتِ وعدمِ التّحدُّثِ أطولُ من نظَرِه إلى السّماء، أما حالَ التّحدُّثِ يرفعُ طَرْفَه إلى السّماء (أيْ إشارةً إلى أنّ السماءَ قبلةُ الدُّعاءِ ومَهبِطُ الرَّحَماتِ والبركاتِ والوحْيِ) ، وكان لا يُثَبِّتُ بصرَه في وجهِ أحدٍ لِشدّةِ حيائِه ، هو محمدٌ الذي كانَ أكثرَ الناسِ تواضعًا وكانَ أشدَّ الناسِ لأصحابِه إكرامًا لهم ومِن ذلك أنه كانَ لا يمدُّ رجلَه بينَ جُلَسَائِه احترامًا لهم، وكانَ أرحمَ الناسِ بكلِّ مُؤمن ،
ولا يختَصُّ بِرحمتِه مَن يعقِلُ فقط بلْ تَعمُّ رَحمتُه حتى مَن لا يعقِل كالوحشِ والطَّير، حتى الهرّةُ تأتيْهِ فيُصْغِي لها الإناءَ (أي يُمِيلُه) لتشربَ (حتى يسْهُلَ عليها أنْ تشربَ منه) وكانَ يفعلُ ذلكَ غيرَ مرّةٍ بلْ كلُّ هِرّةٍ أَتَتْه يفعلُ بها ذلك، هو محمدٌ الذي كانَ يمشي معَ المِسكينِ والأرمَلَةِ إذا أتياهُ في حاجةٍ ما، وكان لا يُواجِهُ أحدًا مِنَ الناسِ بشىءٍ يكرَهُه لا سيما جليسَه بل يواجهُه بالرِّضا إلا أنْ تُنْتَهَكَ حُرُماتُ الله، وكان يقولُ إذا بلَغَه عن أحدٍ ما يَكرَهُهما بالُ أقوامٍ يصنَعُون كذا ولا يقولُ ما بالُ فلانٍ يفعل كذا ، بل كان يقولُما بالُ أقوامٍ يصنَعُونَ كذا، إلا إذا دعَتِ الحِكمةُ الشّرعيةُ إلى ذلك .
كانَ مِن شِدّةِ رَحمةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخَلْقِ أنه قيلَ له لو دَعَوْتَ على مَن وَطِىءَ ظَهْرَكَ (هذا حصَل مرَّةً مِن بَعضِ كُفّارِ قُريشٍ وهو ساجدٌ. وطِئَ أي داسَ) وأَدْمَى وجهَكَ وكسَرَ رَباعِيَتَكَ ولو دعوتَ على دَوْسٍ وغيرِهم مِنَ الكُفّار فقالإنما بُعِثتُ رًحمةً ولم أُبعثْ لَعّانًا. فلم يُجِبْ مَن سألَه إلى الدعاءِ عليهم بل دعا لهم فقال اللهمَّ اهدِ دَوْسًا وَأْتِ بهم مُسلمين. فأصبَحُوا رُؤساءَ في الإسلام، ودوسٌ قبيلةٌ مِن اليمن.
وكانَ صلى الله عليه وسلم يمزحُ معَ أصحابِه مؤانسةً لهم وتآلفًا لِما كانوا عليه مِن شدّة، فكان يُمازِحُهم تخفيفًا عليهم لكنَّه لا يقولُ إلا حقًا لأنه معصومٌ عنِ الكذِب. وكانَ صلى الله عليه وسلم يجلسُ في الأكلِ معَ العبيدِ الأرِقّاءِ ويَتشبَّهُ بهم في الجلوسِ للأكلِ فلا يَترفَّعُ عليهم ويقول إنما أنا عبدٌ ءاكُلُ كما يأكُلُ العبدُ وأجلِسُ كما يجلِسُ العَبد .
مَجلِسُه صلى اللهُ عليه وسلم مجلسُ حِلمٍ وصَبرٍ وحياء، يبدأُ مَنْ لَقِيَه بالسّلامِ ويُؤثِرُ الداخلَ عليه بالوِسادةِ أو يبسُطُ له ثوبًا زِيادةً في إكرامِه، وكانَ لا يقولُ في حالةِ الرِّضا والغضَبِ إلا الحقَّ قَطعًا لِعِصْمَتِه صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
وعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها عندَما سُئلتْ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالت لم يَكُنْ فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا، ولا سَخَّابًا في الأسواق، ولا يَجزِي بالسّيئةِ السّيئة، ولكنْ يَعفو ويَصفحُ أو قالت يعفُو ويغفِر، شكّ أبو داود.
أما أخبارُ كرمِه وسخائِه فعديدةٌ منها ما رواهُ مسلمٌ عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قالما سُئلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه، فأتاه رجلٌ فسألَه، فأمرَ له بغنمٍ بينَ جَبَلَين، فأتى قومَه فقال أسلِمُوا، فإنّ محمدًا يُعطي عطاءَ من لا يخافُ الفاقة.
أما أخبارُ زهدِه وتواضُعِه واختيارِه الدارَ الآخرةَ فكثيرةٌ منها ما رواهُ البيهقيُّ والترمذيُّ وابنُ ماجه عن عبدِ الله أنه قال اضطجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حصيرٍ فأَثَّرَ الحصيرُ بجلدِه، فَجَعَلْتُ أمسَحُه عنه وأقول بأبي أنتَ وأُمي يا رسولَ الله، ألا أذِنتنا فنبسُطُ لكَ شيئًا يقيكَ منه تنامُ عليه، فقال ما لي ولِلدُّنيا، وما للدُّنيا ومالي، إنما أنا والدُّنيا كراكبٍ استظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وتَرَكَهَا.
فقد كانَ صلى الله عليه وسلم مُتَّصِفًا بصفاتٍ حسنةٍ منَ الصِّدق، والأمانةِ، والصِّلَة، والعفافِ، والكَرَمِ، والشجاعةِ، وطاعةِ اللهِ في كلِّ حالٍ وأوانٍ ولحظةٍ ونفَسٍ، معَ الفصاحةِ الباهرةِ والنُّصحِ التّامِّ، والرَّأفةِ والرَّحمةِ، والشَّفَقَةِ والإحسانِ، ومواساةِ الفقراءِ والأيتامِ والأراملِ والضُّعفاءِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم أشدَّ الناسِ تواضعًا، يحبُّ المساكينَ ويَشهَدُ جنائزَهُم، ويعودُ مرضَاهم، هذا كلُّه معَ حُسْنِ السَّمْتِ والصُّورة، والنَّسَبِ العظيم، قال اللهُ تعالىاللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سورة الأنعام 124.
ياسيدي يا قرة عيني يارسول الله ، نظرة منكم ياسيدي يا محمّد .
اللهمّ عَطِّفْ قلبَ نبيِّك محمّدٍ علينا وداوِنا بنظرةٍ منه يا أرحمَ الراحمينَ يا الله